الحمد لله الذي أنار قلوب عباده المتقين بنور كتابه المبين ، وجعل القرآن شفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين، والصلاة والسلام على حبيب الروح ونور القلب ...قائدنا في مسيرتنا إلى الله تعالى،،محمد صلى الله عليه وسلم ، وبعد :
فلا يزال بين أيدنا كتاب ولا كل الكتب، انه القرآن الكريم، الكتاب المعجزة الذي يعتبر بحرا زاخرا بأنواع العلوم والمعارف ، ويحتاج من يرغب الحصول على لآلئه ودرره، أن يغوص في أعماقه، فهيا بنا نغوص مع سورة الفاتحة إلى أعماق المعاني ونكتشف أسرارها وكنوزها الخفية وما تحمله من روح مضيئة كبدر منير في ليل حالك الظلمة ...
يقسم هذا الكتاب الحنيف إلى مئة وأربع عشرة سورة، تختلف في ما بينها من حيث عدد الآيات، وفضل كل منها ،إلا ان هذه السورة ومع أنها من قصار السور سبقت الكثير الكثير من طوال السور من حيث بركتها وعظم أجرها وفضلها...
سورة الفاتحة وما أدراك ما الفاتحة... سورة بأسرار خافية ... تحمل أفكارا سامية ...كيف لا وهي تبدأ بحمد الله ذو النعم الفاضلة...تحمل بين جنباتها روحا ساكنة ... روح تهبط على القلوب الواهية ..تمنحها الأمن والأمان وتحيطها بدفء يجلو ما علق بها من صدأ الدنيا الفانية ..تلك هي الفاتحة... فالحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه...
{{{ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) }}}
يردد المسلم هذه السورة ذات الآيات السبع ، حوالي سبع عشرة مرة خلال ليله ونهاره ،وإذا أضيف لها السنن تصبح أضعاف ذلك ، وأضعاف أضعاف ذلك إذا ما أراد العبد أن يقف بين يدي ربه متنفلا ،، فبدون الفاتحة لا تصح صلاة وذلك في قول الرسول صلى الله عليه وسلم : (كل صلاة لم يُقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج) أي أن أي صلاة بدونها غير كاملة.
وقد سميت سورة الفاتحة "بالفاتحة" لانها تفتح القرآن ، وما اجمل أن تفتح القرآن على سورة تمتلئ حروفها بأسمى المعاني وأدقها ، حيث انها تشمل جميع معاني القرآن ومقاصده فتتحدث عن العقيدة ، والعبادة والرحمة والاستعانة والاعتقاد باليوم الاخر والايمان بالله تبارك وتعالى وصفاته ، وهي تفرد الله عز وجل بالعبادة والدعاء وطلب الهداية الى الطريق المستقيم.
ومن عجائب سورة الفاتحة بأنها مدرسة من نوع أخر ليست ككل المدارس ، تعلمنا كيف نتعامل مع الله تعالى فأولها ثناء عليه ( الحمد لله رب العالمين ) وآخرها دعاء لله بالهداية ( إهدنا الصراط المستقيم ) ، وبين الحمد و الهداية رحلة محفوفة بالرحمة والمغفرة والتمجيد ، وذلك كما ورد في حديث عن فضل سورة الفاتحة ،عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عن رب العزة: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله تعالى: أثنى علي عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجدني عبدي، فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: إهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل).
وتأكيدا على فضلها فقد ورد ذكرها في القرآن الكريم في قوله تعالى : {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ } كما ويشير إلى ذلك هذا الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال فيه : ما أنزلت في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا في الزبور، ولا في الفرقان مثلها. وإنها سبع من المثاني، والقرآن العظيم الذي أعطيته).
وحيث أن القران الكريم معجزة محمد، فأسراره لا تنتهي ، ويبقى نبع فياض بالأسرار والمعجزات، وما أوردناه من فضل هذه السورة العظيمة، قد لا يكون إلا نقطة في بحر،ونحن نتضرع إلى الله سبحان وتعالى أن يسهل لنا تلاوة القرآن الكريم واستنباط ما فيه من معاني وأحكام تكون لنا نورا يضئ دربنا في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
ان شاء الله تستفيدو